روائع مختارة | روضة الدعاة | فن الدعوة (وسائل وأفكار دعوية) | الخطاب الدعوي.. ومذابح المسلمين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > فن الدعوة (وسائل وأفكار دعوية) > الخطاب الدعوي.. ومذابح المسلمين


  الخطاب الدعوي.. ومذابح المسلمين
     عدد مرات المشاهدة: 2337        عدد مرات الإرسال: 0

أولا: إشكالات في الخطاب:

يحز في النفس كثيرا أن العديد من الخطباء والمحاضرين والكتاب والشعراء في وقتنا الحاضر وبالذات في مآسينا الأخيرة الرهيبة، لا يقومون في خطبهم ودعائهم وتوجيهاتهم عند الحديث عن مآسي الأمة بتذكير المسلمين بواجب العودة إلى الله وواجب كل مسلم في تحقيقها بالشكل الواضح والكافي والمؤثر الذي يوصل هذه الحقيقة إلى كل المسلمين، مبينا لهم بوضوح أن هذا هو الحل..... ومشعرا لهم بأن مسؤولية تحقيقه تقع على كل فرد مسلم، مع أن هذا هو الحل الحقيقي الجذري الموصل لتحقيق النصر وإيقاف المآسي وردع أعداء الدين.

- ويبدو أن أثر ضعف فهم بعض الأسس الإسلامية والضياع الفكري والتوجيهي الذي تعيشه أمتنا حاليا قد أثر أيضا حتى على العديد من الدعاة والمصلحين؛ فرأينا البعض يتكلمون ويكتبون عن مذابح الأمة بنظرة فيها سمة التركيز على الحلول الجزئية بما فيها الإكثار من نقد التوجه العالمي، والتحدث عن الأسباب السياسية أكثر من النظر للخلفيات الشرعية في هذه الأحداث، والأهم من ذلك عدم تركيزهم بدقة ووضوح على الحل الحقيقي لكل هذه المآسي بالشكل الذي يصل إلى قلب ويقين كل مسلم (وليس إلى فكره فقط)، مشعرا له بواجبه في التغيير والعودة والدعوة إلى الله.

- أيضا وعلى الرغم من سرور قلوبنا بما نقرؤه ونسمعه من العديد من الصادقين من تألم على الواقع والجراح إلا أننا من كثرة الجراح، وفي غياب التذكير بالحل الحقيقي بوضوح، أصبحنا نمل أحيانا من كثرة البكاء والتباكي على واقع الأمة المتكرر، فهل الهدف هو البكاء للبكاء؟

أو هل الهدف هو البكاء والتألم فقط لجمع المال لهم؟ والذي لاشك في أهميته إلا أنه حل جزئي ووقتي خاصة إذا لم يربط بالحل الحقيقي.

فالمفترض أن يكون الهدف الأكبر من البكاء والتألم هو جعل ذلك شعلة للأمة للانطلاقة نحو التغيير في واقعها والعودة إلى الله والدعوة إليه التي بها تنتصر الأمة وتحل كل مشاكلها.

يتكلم الكثير من الخطباء والشعراء والكتاب وغيرهم عند تألمهم على المحن عن الجهاد وعزة الأمة ووحدتها ونخوتها، ولاشك أن هذه أسس هامة جدا ونحن بأمس الحاجة إليها وبها بإذن الله يتحقق النصر ولكن......

كيف السبيل إليها؟

وهل وضح للناس كيف نصل لطريق الجهاد؟ وكيف النصر فيه ؟

وكيف تحدث العزة والوحدة؟

هل نريد من المسلمين أن يثبوا فجأة للجهاد رغم كل العوائق وأهمها الذنوب والمعاصي؟، ونتمنى أن يحدث ذلك ولكن المخدر بشكل عام عادة لا يقوم فضلا من أن يثب وثوبا حقيقيا.

ثم لو حصل الجهاد من أمتنا بدون تركها المعاصي ومجاهرة الجبار بها فلن يحصل النصر الحقيقي التام.

ولا يخفى على الدعاة والمصلحين ما حصل في أمتنا من بعد كبير عن حقيقة دينها، ولا يخفى أيضا ما يفعله المفسدون في الأمة حتى وصل الأمر إلى حد محاربة أوامر الله وتحكيم غير ما يرضاه.

- ويجب أيضا أن ندرك وأن نوضح للمسلمين بأن أمتنا لن تنتصر النصر الحقيقي حتى ولو اتحدت طالما لم تطبق شرع الله وتحترم أوامره.

يكثر بعض الدعاة أحيانا من ذكر صلاح الدين وغيره من أبطال الأمة خاصة في الأشعار والأناشيد عند كلامهم عن مآسي الأمة ولاشك في أن الأمة تحتاج إلى أمثالهم وبشدة، ولكن.......

أن نجعل أن كل مشاكل الأمة وكل مآسينا بسبب عدم وجودهم يعتبر فهم خاطئ وله خطورته من حيث أنه يصرف أنظار الأمة عن أمراضها الحقيقية التي تنخر في جسدها كما وضح ذلك صاحب كتاب (هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس د. ماجد الكيلاني).

- ثم كيف يخرج لنا مثل صلاح الدين، هل ننتظر أن يوجد بيننا حتى ونحن على ما نحن عليه!!!!؛

إن العودة إلى الله ومناهج الإصلاح هي التي تخرج لنا صلاح- بإذن الله- !! وصلاح الدين الأيوبي نفسه كان إحدى ثمار المنهج الإصلاحي الذي عاصره وسبقه.

ولا شك أن ذكر صلاح الدين والأبطال مهم ونحتاجه، ولكن ليكن كوسيلة لتحفيز الأمة للعودة إلى الدين والنخوة له والجهاد الصادق في سبيله، وليكن حافزا لنا لنكون على مثل ما كان عليه صلاح الدين من صلاح وتقوى سبقت بطولته وإنجازاته.

وذلك حتى يكون ذكره حافزا لنا في معرفة واجباتنا ومسؤوليتنا في الإصلاح لا أن يكون ذكره وذكر عدم وجود أمثاله شماعة!!!! يستغلها الشيطان لكي تلقي الأمة عليها أخطائها بينما هي سادرة في غفلتها ولهوها وذنوبها والتي هي أساس مأساتها وكل التخبط والتفرق والضياع والهوان الذي تعيشه.

يبدو أيضا أن استخدام الدعاة والمصلحين والشعراء مصطلح العودة إلى الدين بالشكل الذي يخاطب الأمة بشكل عام لا بشكل فردي مثل عبارة (عودي إلى الله) التي تخاطب الأمة وعبارة (الحل في عودتنا لما كنا عليه سابقا) قد لا تشعر الفرد المسلم بواجبه في التغيير، خاصة مع وجود الغبش الكبير في فكر وسلوك أمتنا الديني، فقد يعتقد الكثير من أبناء الأمة أنهم ليسوا هم المقصودين بهذه العودة، خاصة مع وجود عدو الإنسان الكبير الشيطان الرجيم وشياطين الإنس الذين يلبسون على المسلم ويجعلونه يرضى بواقعه على الرغم من وجود التقصير الكبير الحادث منه.

وأيضا قد لا يكون واضحا للفرد أن بداية تغيير واقع الأمة وعودتها إلى الله تبدأ بالفرد نفسه بالتزامه الصادق الكامل وبدعوته غيره من أفراد المجتمع.

مما يدل أيضا أن خطابنا الدعوي كان ناقصا هو ما نلاحظه من البرود والانتكاس العاطفي السريع والعودة للضلال واللهو الذي يحدث للأمة بعد فترة وجيزة من انتهاء أحد نكبات المسلمين.

بل حتى أنه مع استمراء الواقع وكثرة المذابح أصبح الكثير من الأمة يلهو ويغني وينشغل بالدنيا والمعاصي، في الوقت الذي يرى أمامه يوميا إخوانه وهم يذبح أطفالهم وتهدم منازلهم وينكل بهم أشد تنكيل.

يبدو أن من آثار عدم تركيز الدعاة وغيرهم من المصلحين والغيورين على طريق النصر الحقيقي في خطابهم الدعوي أننا أصبحنا نرى العديد من الإنتاجات الطيبة التي كانت ردة فعل للمحن من مقالات وأشعار وكتابات وتوجهات كلها طيبة لكن أكثرها تتسم بعدم تلمس طريق النصر الحقيقي بإيضاح جيد لا بكلمات رنانة عامة.

بل إن بعض ردود الفعل تجاه المحن سواء كانت نثرا أو شعرا أو خطابه أو غير ذلك كانت تتكلم عن المحن بالطريقة التي يتكلم بها أي إنسان يضيع عليه مجده أو وطنه أو ينتهك عرضه ودمه، فبعضها جاف من المعاني الإسلامية ومعاني العبودية لله.

ثانيا: ما نتمناه في خطابنا الدعوي عن المآسي:

نتمنى من الخطاب الدعوي والإصلاحي عن مآسي امتنا أن يكون مركزا على الحل الأساسي الأهم حسب ما عرفنا من السنن الربانية التي عرفنا بها علماء الأمة وسلفها الصالح ألا وهو عودة الأمة إلى دينها وتطبيقه الكامل ونصرها لله سبحانه، وأن يركز على علاج مرض أمتنا أكثر من التركيز على علاج أعراضه، وأن يكون مستمرا لا منقطعا، حتى لا يكون فقط ردة فعل تأخذ وقتها ثم تبرد وتنتهي.

نتمنى أيضا من الخطاب الدعوي عندما يوضح أن نصرنا بالعودة إلى ديننا أن يكون خطابه معروضا بطريقة مفصلة دقيقه تبين لكل فرد كيف يكون دوره في العودة والتغيير، لا أن يكون الخطاب بكلمة عامه فقط لا تشعر الفرد بدوره ومسؤوليته في تحقيقها، بل وتؤدي أحيانا إلى أن يصبح الفرد ممن يقول ما لا يفعل، فهو قد يتغنى بان الحل في العودة ولكنه بعيد عن تحقيقها وعن معانيها وواجباتها.

فنحن نتمنى أن تكثر الكلمات القوية والأشعار المؤثرة التي تجعل الفرد المسلم يخرج منها بخطوات عمليه عن ما ينبغي أن يفعله هو بنفسه لتغيير واقع أمته لا أن يخرج فقط بحماس وانفعال قد يبرد سريعا، فأمتنا تريد عملا وعاملين.

نتمنى أن يشعر الخطاب الدعوي والإصلاحي المسلمين بالتحديات الرهيبة التي تواجه الأمة ويربطها بضرورة تصحيح المسار والإصلاح، حتى يكون الشعور بالتحدي فعالا في إيقاظ المسلمين وعودتهم.

وقد كان الشعور بالتحدي فعالا في تغيير حياة كثير من شعوب العالم بعد نكبات ألمت بهم (اليابان أحد هذه الأمثلة).

حبذا أيضا لو كان في خطابنا الدعوي- نثرا كان أو شعرا أو خطابة- تبيين وتذكير ببعض المنكرات التي انتشرت في الأمة. وهذا أفضل من العموميات في الكلام عن العودة والذنوب لكي يتضح للفرد المسلم نقاط خلله وتقصيره، ومن ثم يكون خطابنا أقوى في النتيجة العملية الناتجة منه بإذن الله.

نحن في حاجة كبيره إلى الخطاب الدعوي الذي يخاطبنا في مآسينا وفي كل أمور حياتنا وانفعالاتنا وتحركاتنا ويربطها بعبوديتنا لله، فهذا هو الأصل الذي ربانا الإسلام عليه وأمرنا الله به وخلقنا من أجله، قال تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} [الأنعام: 162- 163].

- وإن صدق الإخلاص لله في أمورنا- مع التزامنا بالنهج الصحيح بالطبع- من أهم أسباب نصرنا. بل حتى حميتنا وغيرتنا عندما نرى ذبح إخواننا ينبغي أن تكون مربوطة بعبوديتنا لله، فنسعى لإيقاف ذلك لأنه يغضب ربنا سبحانه ويعوق نشر دينه وتحقيق خلافة الإنسان في الأرض، لا أن يكون غيرة وحمية أرضية فقط.

ختاما:

- نقول لكل غيور قال أو كتب كلمة قوية مؤثرة وذرف الدموع تأثرا بالمآسي وكتب الكلمات الحارة نقول له أكثر الله من أمثالك.. فبالصادقين من أمثالك الذين يوضحون للأمة نهج الحق والصلاح بصدق وغيرة تنتصر الأمة ويقترب فرجها.

وإنكم عندما تتألمون لقلة الناصر للمسلمين فثقوا- كما لا يخفى عليكم- بأن النصر الأعظم والأكبر سيكون بإذن الله عندما تعود الأمة لله فيومئذ يعظم العطاء والتضحية من أمة عظيمة عاشت لله بمنهج الله وتضحي بالمال والأنفس رخيصة في سبيل الله.

{ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله} [سورة الروم].

الكاتب: د. مهدي بن علي القاضي

المصدر: موقع طريق الإسلام.